الحوافز الضريبية.. كيف تشجع تركيا الاستثمار على أرضيها؟

الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي حازت عليه تركيا خلال الست عشرة سنة الماضية من حكم حزب العدالة والتنمية، جعل منها مركز جذب رئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر، وساهم في توفير بيئة استثمار مستقرة، عدا القفزة الهائلة التي حققها اقتصادها من المرتبة 111 إلى المرتبة 17 وفق بيانات البنك الدولي.

خلال السنوات الثمانية الماضية، ووفقا لإحصاءات وزارة الاقتصاد التركية، بلغ إجمالي التدفق الاستثماري الأجنبي المباشر الوارد إلى تركيا 145 مليارا و494 مليون دولار أمريكي. وكان لهولاندا نصيب الأسد من نسبة هذه الاستثمارات، حيث بلغ إجمالي التدفق الاستثماري الوارد منها إلى تركيا 23 مليارا و681 مليون دولار ما بين الفترة من بداية عام 2002 ولغاية شهر أكتوبر من عام 2017. تلتها الولايات المتحدة الأمريكية التي وصلت استثماراتها المباشرة في تركيا إلى 11 مليارا و280 مليون دولار أمريكي. تلتها كل من النمسا وبريطانيا ولوكسمبورغ وألمانيا على التوالي.

أما بالنسبة للدول العربية فيكاد حجم التدفق الاستثماري الوارد منها إلى تركيا لا يذكر مقارنة بالدول الأوروبية التي تصل نسبة استثماراتها إلى أكثر من ثلثي نسبة الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى تركيا. حيث تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثالثة عشر على صعيد التوزيع الجغرافي للاستثمارات الأجنبية الواردة إلى تركيا، تليها السعودية في المرتبة السابعة عشر والكويت في المرتبة الثامنة عشر وقطر في المرتبة التاسعة عشر ولبنان في المرتبة العشرين.

حاجز اللغة التركية قليلة الانتشار مقارنة باللغة الإنجليزية، وعدم معرفة الضمانات والحوافز التي تقدمها القوانين التركية للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها، من أهم الأسباب التي تقف عائقا أمام تردد المستثمرين العرب في الاستثمار في تركيا. لذلك سنحاول في هذا المقال الوقوف على أبرز الضمانات والحوافز التي تمنحها القوانين التركية للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها.

يعتبر قانون الاستثمارات الأجنبية المباشرة رقم 4875 لعام 2003 من أهم القوانين التي توفر الكثير من الضمانات للمستثمر الأجنبي، كما يوجد لهذا القانون لائحتان تنفيذيتان: الأولى هي اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون الاستثمار الأجنبي المباشر. والثانية هي اللائحة التنفيذية الخاصة بتوظيف الأجانب في الاستثمارات الأجنبية المباشرة. يمنح هذا القانون العديد من الضمانات والحوافز للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى تركيا، نذكر منها:

1) حرية الاستثمار ومبدأ المساواة في المعاملة: ما لم ينص على خلاف ذلك في الاتفاقيات الدولية وأحكام القوانين الخاصة. تقر الفكرة الأولى من المادة الثالثة من قانون الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمستثمرين الأجانب بحرية استثمارهم في أي مجال في تركيا، وتقر بتبنيها لمبدأ المساواة في المعاملة، الذي بدوره يسمح للمستثمرين الأجانب بالحصول على حقوق وواجبات المستثمرين المحليين ذاتها. وبذلك يخضع الأجانب لنفس الشروط الخاصة بتأسيس نشاط تجاري ونقل الأسهم التي تنطبق على المستثمرين المحليين.

2) حظر المصادرة والتعميم: تنص الفكرة الثانية من نفس المادة على عدم جواز تأميم أو مصادرة الاستثمارات المباشرة إلا إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، وفق القوانين سارية المفعول، ومقابل تعويض مالي.

  3) حرية نقل الأرباح: تسمح الفكرة الثالثة من نفس المادة للمستثمرين الأجانب بنقل أرباحهم بحرية تامة إلى الخارج من خلال البنوك أو المؤسسات المالية الخاصة.

4) التحكيم الوطني والدولي: وفق الفكرة الرابعة من نفس المادة؛ يجوز اللجوء إلى التحكيم الوطني أو الدولي أو أي طريقة من الطرق البديلة لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار الناشئة عن عقود امتياز المرافق العامة الموقعة بين الدولة والمستثمر الأجنبي، بشرط التوافق على ذلك بين الأطراف وتوافر بعض الشروط الأخرى.

5) تحديد قيمة رأس المال العيني: وفق الفكرة الخامسة من نفس المادة؛ يتم تحديد قيمة رأس المال العيني للمستثمر الأجنبي وفقا لأحكام القانون التجاري التركي. ويستثنى من ذلك حالة استخدام القيم المنقولة أو الأوراق المالية للشركات المؤسسة في دول أخرى كأدوات استثمارية.

6) إمكانية تعيين الموظفين الأجانب: وفق الفكرة السادسة من نفس المادة؛ يحصل الموظفون الأجانب الذين يعملون في الشركات والفروع والمنظمات المنشأة بموجب هذا القانون على تصاريح عمل من وزارة العمل والضمان الاجتماعي التركية، بناء على بعض الشروط الواردة في اللائحة التنفيذية الخاصة بتوظيف الأجانب في الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

7) إمكانية افتتاح مكتب تمثيل: تمتلك الخزانة التركية سلطة منح الإذن للشركات الأجنبية لفتح مكتب تمثيلي لها في تركيا، بشرط عدم انخراطها بأي عمل تجاري في تركيا من خلال هذا المكتب. 

أما القرار رقم 2012/3305 الصادر بتاريخ 15 حزيران 2012 عن مجلس الوزراء التركي، فيحتوي على العديد من الحوافز والإعفاءات التي تمنح للمستثمرين الأجانب منهم والمحليين، لكن الحصول على هذه الحوافز يعتمد على عدة معايير يصعب ذكر تفاصيلها في هذا المقال، من ضمنها المحافظة التركية المنويّ الاستثمار فيها ومجال الاستثمار ومقدار رأس ماله. أما الحوافز فنذكر منها:

١) الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة: يتم إعفاء المستثمر من دفع ضريبة القيمة المضافة الخاصة بكل المستلزمات والتجهيزات والتقنيات والحقوق غير المادية التي قام بشرائها أو تأجيرها من أجل الاستثمار، بشرط حصوله على شهادة تشجيع الاستثمار.

٢) تخصيص مكان للاستثمار: تقوم الحكومة التركية بتخصيص مكان للاستثمار في إطار الأصول والأساسات المحددة من قبل وزارة المالية التركية، وذلك للاستثمارات الكبيرة والاستثمارات الاستراتيجية التي منحت شهادة تشجيع الاستثمار. 

٣) تخفيض نسبة الضريبة: يتم تخفيض نسبة ضريبة الدخل أو ضريبة المؤسسات إلى حين أن يتمكن الاستثمار من تحقيق نسبة المساهمة المخطط لها منه. 

٤) الإعفاء من الرسوم الجمركية: يتم إعفاء المستثمر الحاصل على شهادة تشجيع الاستثمار من دفع ضريبة الجمرك الخاصة بكل المستلزمات والتجهيزات والماكينات التي تم استيرادها من خارج تركيا. 

هذه بعض الحوافز والضمانات التي تمنحها القوانين التركية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي ربما ساهمت في تشجيع المستثمرين الأوروبيين على الاستثمار المباشر في تركيا. بالتأكيد توجد العديد من دول العالم التي تمنح قوانينها بعض أو كل هذه الحوافز والضمانات، ولكن يبقى الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي السريع ما يميز تركيا عن الكثير من الدول المحيطة بها.

ظهرت هذه المقالة أولا على مدونات الجزيرة

أنس زين الدين

مستشار قانوني متخصص في القوانين التركية وباحث أكاديمي في القانون الدولي
زر الذهاب إلى الأعلى
SiteLock
إغلاق